أصبحت العنصرية وممارسات التنمر متغلغلةً في شتى النواحي والمجالات، فتلك النظرة الفوقية التي يخصّ بها أهل فئةٍ معيّنة أنفسَهم، التي لطالما دعت المؤسسات العالمية للتغلب عليها، لم تعد تقتصر فقط على البالغين ذوي العقول الناضجة، وإنّما طالت أيضاً هؤلاء الصغار، الذين لا تزال توجهاتهم ومواقفهم الأخلاقية تتشكل. فوجدت دراسة -هي الأولى من نوعها- أنّ كل طالب من ثلاثة طلاب، هو ضحيّة للتفرقة العنصرية والتنمر، وأظهرت الدراسات أيضاً أن الأطفال بوسعهم تبني علامات تحيّز عرقي منذ بلوغهم الخامسة، ومن مظاهر ذلك التعامل مع أفراد مجموعةٍ عرقيّة محددة بطريقةٍ أفضل من غيرها، ومن تجليات تلك العنصرية بين الأطفال في المدارس زيادة ظاهرة التنمر المدرسي
تعريف التنمر المدرسي مدخل للتعامل معه
يعرّف الباحث النرويجي “داني ألويس” التنمرّ، بأنه مجموعة من الأفعال السلبية المتعمّدة- كالتوبيخ، الشتم، الإجازة أو الاحتكاك الجسدي المباشر كالضرب من جانب تلميذ أو أكثر ليلحق الضرر بتلميذ آخر. ويظهر التنمر في شكله اللفظي، الجسدي، العاطفي أو النفسي.
وبينما قد يكون من الصعب الحديث مع الأطفال والأبناء حول الموضوعات التي تختص بالعنصرية والتنمر، خاصةً تلك التي تحدث في المدرسة، إلا أنّ الاهتمام بذكر تلك القضايا ومناقشتها أمام الأطفال، يُحضّرهم إلى فهمٍ أكثر لذلك العالم وما يمرّون به
نصائح لحماية طفلك من التعرض للتنمر والعنصرية
نقدّم في هذا المقال نصائح وتوجيهات هامّة إلى الأهل في كيفية مناقشة أمور العنصرية والتنمر بلغةٍ ملائمة وسهلة الفهم مع أطفالهم، ذلك ليتجنبوا الكثير من المشاكل القادمة، وأيضاً ليتمكنوا من الاستيعاب، الاحترام والتقدير الكافي للاختلافات بين الأشخاص
أقِر بالفروقات والاختلاف
فعندما يسألك طفلك عن سبب الاختلاف في ألوان البشرة على سبيل المثال، يمكنك أن تستغلّ تلك المناسبة للحديث عن الاختلاف بين البشر بصفةٍ عامّة، وهذه الفروقات بيننا تعني فقط أنّ كل منا لديه ما يميّزه ويجعله فريداً
شجّع ابنك على الأسئلة
لا تتجنّب أسئلة الطفل أو تسكته عند حديثه عن الفروقات في الهيئة مثلاً، لأن ذلك من شأنه أن يولد لديه قناعةً بأنّ الحوار في تلك الموضوعات أمرٌ محظور
قم بإدراج الإنصاف كقيمةٍ إنسانية
من شأن المبالغة في وصف العنصرية بأنها ممارسة ظالمة تبني حاجزاً بين طفلك والعالم وينتج عنها تكوين ميول عنصرية لديه
أهمية الاطلاع على الثقافات الأخرى
عرِّف طفلك على الثقافات الأخرى، حيث إن جلب منتجات الثقافات المختلفة كالأطعمة والأفلام والقصص، يكون وسيلةً تساعد طفلك في تقليص التحيّزات وتشجيعه على تكوين صداقاتٍ تشمل جميع الفئات
تتوزّع الأدوار على الكثير من الأطراف في حالة التنمّر المدرسي فيوجد
المتنمر: وهو الطالب الذي يقوم بسلوك التنمر ضدّ الطلاب، بل ويشجع الآخرين على انتهاج النّهج نفسه
الضحيّة: وهو الطالب المتعرض للتنمر الذي يتأثر بنتائجه الوخيمة
مؤيد التنمر: وهو الطالب الذي يقوم بتأييد ذلك الفعل، وليس شرطاً أن يقوم به، ولكنّه من أخطر الأطراف لأنّه بتشجيعه على ذلك الفعل يعطي صلاحيةً للطالب المتنمّر ليقوم بما يفعله
المدافع: وهو من لا يقبل بممارساتٍ كتلك، ويقف بجانب الطالب الذي يتعرّض لذلك الفعل المشين. ويمثل ذلك الطالب إحدى أركان الإصلاح التي يجب العمل عليها وتشجيعها لمحاربة التنمر
علّمه كيفية إدارة سلوكياته تجاه المتنمرين
قم بتعليم طفلك كيفية التعامل الصحيح مع التنمر، وذلك يمكن أن يكون عن طريق اقتراح عدم الاستجابة إلى كلّ الأشخاص المتنمرين، بالإضافة إلى الابتعاد عنهم وعدم التفاعل مع استفزازاتهم
ضرورة مناقشة المستجدات
ناقش المستجدات التي يتم إذاعتها في وسائل الإعلام، وبسبب كون وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً أساسياً للمعلومات، يجب تكريس الاهتمام لما يقرأه الطفل والحوارات التي تجري على تلك المنصات، لكن كل ذلك يجب أن يكون باستعمال لغةٍ بسيطة وعدم ذكر معلوماتٍ أكثر من اللازم
خلق بيئة آمنة
اخلق بيئةً آمنة للمشاركة، فقد ينعكس الخوض في مثل تلك الأحاديث بظهور ردود أفعالٍ عنيفة من جانب الأطفال. بالإضافة إلى الحزن والتوتر الذي يصاحب بوحهم بما يشعرون به. لهذا يجب أن تسعى في نشر فكرة أنّه من الطبيعي أن تشعر بأنّك لست في حالٍ جيّدة، كما يجب أيضاً أن يكون ذلك الحوار مستداماً، وألّا يكون مناقشةً لمرة واحدة فقط
إظهار قدرٍ من الاهتمام مع التحقّق
تحرّى التحقق مما يحكيه لك طفلك، بمجرد السؤال وبذل الجهد للتعبير عن محاولة مساعدة الطفل وإعانته في محنته، تبث الأمان والراحة في قلبه
تبادل الأدوار
تبادل لعب الأدوار مع طفلك، تبادل الأدوار نهج فعال في بناء الثقة وتقوية طفلك لمواجهة تلك التحديات. ويمكنك لعب دور المتنمّر بينما يقوم طفلك بممارسة ردود أفعالٍ مختلفة حتى يشعر بالثّقة في التعامل مع مواقف صعبة مثل تلك. وفي تلك الأثناء، قم بتعليم طفلك كيفية إظهار قوته في مواجهة التنمر، فالتحدث بصوتٍ قويّ وحازم يساعده في التّصدي لتلك المحاولات على عكس البكاء الذي لن يجدي نفعاً
توفير المدح والتشجيع
قم بمدح التّقدم، فإذا قام طفلك بإبلاغك عن نجاحه في التّصدي لإحدى محاولات التنمر، أظهر فخراً به وبفعله. كما تحرص على توضيح فكرة أنه لا أحد يستطيع مضايقته طالما أظهر ذلك
الإبلاغ عن محاولات التنمر
قم بتعليم طفلك أن يبلّغ عن محاولات التنمر المتكرّرة في مدرسته، فإذا كان طفلك متردّداً بشأن ذلك، قم بمساعدته والذهاب معه إلى المعلّم، الأخصائي النفسي أو مدير المدرسة.
كما يجب تثقيف طفلك حول لائحة المدرسة التي تختص بالتنمر، بالإضافة إلى ضرورة قيامك بتوثيق مواقف التنمر المختلفة التي تحدث في مدرسته، ومتابعة الإجراءات التي اتخذتها المدرسة حيال ذلك
ضرورة دراسة الماضي ومراجعة الذكريات
ادرس الماضي مع طفلك، فذلك من شأنه أن يسهم في فهمه الحاضر على نحوٍ أفضل، فبإمكان الأحداث التاريخية أن تضفي سحرها الخاص على تفسير الحاضر والمستقبل، بحيث تُظهر أحداث كالأبارتايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة؛ كيف نجحت الشعوب في العمل على تحقيق المساواة والعدالة. كما أنّ بمقدور هذه الخبرات أن تهيّئ طفلك لبناء الثقة والانفتاح نحو وجهات النظر الأخرى
ختاماً يمكننا القول بأن التنمر والعنصرية واحدة من الظواهر الأكثر انتشاراً في عالمنا الحالي، التي ترجع لعدة عوامل ومسببات، منها ما يتعلق بالثقافة، والبيئة، والخلفية، وغيرها من العوامل النفسية والاجتماعية، فهذه الظاهرة تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية، وأحياناً الأداء اليومي للطفل وغيرها من العوامل، ما يجعل الوقوف عليها ومحاولة اجتذاذ جذورها وعلاجها أمراً ضرورياً، لضمان سلامة الأطفال، وتقليل إمكانية انتقال تأثرهم بهذه التجربة السلبية لحياتهم مستقبلاً وإعاقتهم عن تحقيق أهدافهم، أو عيش حياةٍ سويّة، وهذه ليست مسؤولية مؤسسة أو شخصٍ بعينه بل هي مسؤولية شاملة لكل الأفراد والمؤسسات التي تكون الإطار أو المحيط الذي تحدث فيه مثل هذه الأفعال