التنمّر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجّه من فرد أو مجموعة تكون أضعف منه جسدياً أو معنوياً. وتتعدد أوجه التنمّر وتختلف، فقد نجد التنمّر بين الأطفال أنفسهم، أو من الأهل باتجاه الطفل، أو حتى من أستاذ المدرسة تجاه تلامذته. في هذا التحقيق نسلّط الضوء على الدراسة التي أجرتها “جمعية إنقاذ الطفل” والتي تتناول التنمّر المدرسي الذي بات يهدد مستقبل الأطفال.
اختارت الدراسة عدداً من الأطفال المقيمين في لبنان، والذين تختلف أعمارهم وجنسياتهم، وبينها اللبنانية والسورية والفلسطينية. بلغ عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و12 عامًا 214 طفلاً، وأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا 269 طفلاً، وعدد مقدّمي الرعاية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 عامًا 1,550 شخص.
نتيجة الدراسة:
● طفل من أصل طفلين يتعرّض للتنمّر في مرحلة ما من حياته.
● إنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و12 عامًا (59 في المئة) هم أكثر عرضة للتنمّر من الأطفال في سنّ المراهقة (45 في المئة).
● إنّ الصبيان (54 في المئة) هم بصورة طفيفة أكثر عرضة للتنمّر من الفتيات (46 في المئة).
● تنتشر آفة التنمّر بين الأطفال اللبنانيين (50 في المئة)، وبين الأطفال السوريين (51 في المئة) بشكل متساوٍ تقريبًا. وقد سجّل الأطفال الفلسطينيون أعلى مستوى من التنمّر (58 في المئة).
● إنّ التنمّر الجسدي (42 في المئة) هو أكثر أشكال التنمّر شيوعًا، يليه التنمّر اللفظي (30 في المئة)، ثمّ التنمّر الاجتماعي (22 في المئة). أما التنمّر عبر الإنترنت فيؤثّر في 6 في المئة.
● إنّ الأطفال اللبنانيين هم أكثر عرضة للتنمّر الجسدي (41 في المئة)، والتنمّر عبر الإنترنت (6 في المئة)، غير أنّ الأطفال السوريين هم أكثر عرضة للتنمّر اللفظي (32 في المئة). ويتعرّض الأطفال اللبنانيون والسوريون للتنمّر بمعدّلات متساوية تقريباً (21 في المئة و19 في المئة على التوالي).
● إنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و12 عاماً هم أكثر عرضة للتنمّر الجسدي (مع فارقٍ بنسبة 5 في المئة)، غير أنّ المراهقين هم أكثر عرضة للتنمّر الاجتماعي (مع فارقٍ بنسبة 3 في المئة)، والتنمّر عبر الإنترنت (مع فارقٍ بنسبة 4 في المئة). وتواجه كل من الفئتين العمريّة معدلات مماثلة من التنمّر اللفظي (مع فارقٍ بنسبة 2 في المئة).
التصدي لهذه الظاهرة
تأتي هذه الدراسة الإحصائية في إطار حملة وطنية تطلقها “جمعية إنقاذ الطفل” الدولية في لبنان تحت عنوان” التنمّر مش مزحة”، وتهدف إلى تعزيز الوعي بين مختلف المجتمعات في لبنان حول هذه المشكلة ومخاطرها، مما يساعد الكبار خاصةً على تقديم أفضل دعم ممكن للأطفال .
“التنمّر مش مزحة”، تهدف أيضاً الى التركيز على تربية الأطفال في بيئات آمنة تحظّر أعمال العنف بين الأطفال، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب 12 في المئة منهم نتيجة تعرضهم للتنمّر في المدارس .
تلفت مسؤولة برامج الحماية في “جمعية إنقاذ الطفل” سازان بابان إلى أن الهدف من الحملة الوطنية للتنمّر هو التصدي لهذه الظاهرة المنتشرة في المدارس والمجتمعات، إلا أنه لم يتم الكشف عنه، فالطفل يتعرض للتنمّر في المدرسة، سواء من أصدقائه أو من أساتذته، وبالتالي يمكن التنمّر أن يؤثر فيه مباشرةً أو ينعكس على حياته في المدى البعيد.
لطالما كان اللعب بين الأطفال والاستهزاء ببعضهم البعض نوعاً من الألعاب الصبيانية، لكن اتّضح اليوم أن هذا السلوك هو تنمّر ويؤثر في الأطفال. تقول سازان بابان إنه إذا ضرب ولد ولداً آخر لمرة واحدة فهذا يدل على أنه نوع من التنمر، ذلك أن هناك أطفالاً يحاولون الاستقواء على أطفال آخرين. لذلك نسعى من خلال حملتنا الى رفع مستوى الوعي حول هذه الظاهرة، ونحرص على أن تشمل التوعية كل المستويات، إن كان الطفل وهو الهدف الأساس، أو الأهل الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بأولادهم.
إن دور المنظمات الدولية هو توعية الأهل حول مفهوم التنمّر، وتسليط الضوء على النواحي التي يعتبر فيها الطفل عرضةً للتنمّر، لأن الأهل يلعبون دوراً مهماً في هذا السياق. تقول سازان: “يمكننا الاستعانة بلجان الأهل في المدارس، لتلعب دوراً توعوياً في قضية التنمّر، وبالتالي يتعاون الأهل مع المنظمات لحل هذه المشكلة، بدلاً من أن تعمل المنظمات وحدها”. وتلفت سازان إلى ضرورة تأسيس نوادٍ للطلاب في المدارس أو مجالس طلابية، تتحرّى للكشف عمّا يتعرض له الأطفال من تنمّر في المدارس، وتعمل للتصدي لهذه الظاهرة.
وتعليقاً على ارتفاع نسبة الذكور مقارنةً بالإناث في موضوع التعرض للتنمّر أو ممارسته، تقول سازان إن “واقعنا الاجتماعي والبيئة التي تعيش فيها الفتيات يساهمان في تراجع نسبة التنمّر لدى الإناث مقارنةً بالذكور، اذ إن غالبية الفتيات لا يتحدثن عن الصعوبات التي يواجهنها في حياتهن خوفاً من المجتمع.
رفع مستوى الوعي
“نسعى لرفع مستوى الوعي حول ظاهرة التنمّر، ونشدد على أن يخبر الطفل أهله بما يتعرض له من تنمّر”، تقول سازان وتضيف: “في المدى القصير، يمكن أن يمتنع الطفل عن الذهاب إلى المدرسة ليوم واحد أو أكثر، وقد يترك المدرسة نهائياً... ربما تتراجع علاماته وهذا يؤثر في مستقبله الأكاديمي على المدى البعيد”.
تعمل “جمعية إنقاذ الطفل” على تقديم الدعم النفسي للأطفال في المجتمعات التي تتواجد فيها، ومن ضمن نشاطاتها تسليط الضوء على فكرة تقبّل الآخر، وأن يكون الأولاد جميعاً سواسية، بغض الطرف عن جنسيتهم أو وضعهم الصحي أو العقلي.
وتلفت سازان إلى أن الأهل يتنمّرون أحياناً على أولادهم من دون أن يدركوا ذلك، لذا نهتم بالعمل على كل المستويات، مثلاً إذا عاد طفل من مدرسته وأخبر أهله بما تعلّمه في المدرسة من حقوق الإنسان وخلافه، ربما يقلّل الأب والأم من شأن ما يقوله الطفل، وهذا يسيء إلى نفسيته، لذلك تنتشر حملة “التنمّر مش مزحة” في كل لبنان، من شماله إلى جنوبه، وتدخل مؤسساته التعليمية، مع الإشارة الى أهمية تضافر جهود المجتمع والدولة للتوعية بمخاطر التنمّر بكل أشكاله.
شهادات في التنمر
روحية: كرهت اسمي
تقول روحية، 19 عاماً، إنها كانت تتعرض للتنمّر من أصدقائها وأولاد الحي الذي تعيش فيه. ففي مرحلة الطفولة كانت كلما مرّت أمام أولاد الحي ينادونها “ملوخية، ملوخية...” فتتضايق كثيراً وتعود أدراجها الى المنزل باكيةً وملقيةً اللوم على والدتها لأنها أطلقت عليّها هذا الاسم، ووصل بها الأمر حد أن كرهت اسمها”.
جنى: يدي مادة للتندّر
تقول جنى، وهي فتاة عمرها 12 عاماً: “لقد كان من الصعب عليّ التأقلم مع رفاق المدرسة، خصوصاً أولئك الذين كانوا يحدّقون في دائماً في يدي ويتهامسون بمجرد رؤيتي. لفترة من الوقت، كانت يدي مادة للتندّر بين الطلاب في ملعب المدرسة... “انظر إلى يدها”، “لماذا تبقيها ثابتة هكذا؟... كان أحدهم يقول للآخر. كنت أتظاهر بعدم سماعهم، وأتألم في داخلي. حتى الانضمام إلى أصدقائي في لعبة “تنس الريشة” كان أمراً مستحيلاً، الى أن يئست من تكرار المحاولة”.
سامر: لهذا السبب أكره الكوسى
أما سامر،10 أعوام، فيقول: “الكوسى المحشوة”، “البرميل” و”الدب الضخم”، ليست إلا بعض الكلمات التي يستخدمها رفاقي في المدرسة لوصفي. أكره لقب “الكوسى” أكثر من أي شيء آخر، حتى أنني أقلعت عن تناول الكوسى. أحب رفاقي ومدرستي، لكن أحياناً لا أرغب في الذهاب إليها، وذلك فقط لأتجنّب عناء التعرّض للتنمر”.